مامِنْ يَمٍّ لِتَرميها به على أمل العودة ثم اللقاء ، و كأنها تعلم أن أرض الشام وحدها تُنبِتُ الجوري... إنه القَدَر يُحَرِكُ الخطوات ، لا للغرق ، فلا شيئ يكسرها .
تمشي بِلا طُرُقٍ نحو الأمام أو الوراء ، نحو الجنوب أو الشمال......وحدها الأرواح كانت تُخَفِفُ عِبئَ الفَراشَة ، تُراقِصُها و تُؤنِسُ وِحدتها وَ وِحشتها .
تُضيئُ لها الطريقَ بِجَناحَي حَمامة تُحَلِقُ نحو الأمل تارةً ، و ترسم على ذاك المُحيا إبتسامة الفرح بِثَلجٍ آتٍ من اللامكان ، تارةً أُخرى..... تخشى النوم لِساعةٍ كي لا تموت ، وهي تعلم أن الساعة إما لإنهيارٍ أو وُضوح أو ميلاد نهارٍ جديد. لم تكن مئذنةٍ في سرير الأبد أو جَرَساً يُقرَعُ بِلا أحد ، إلى أن جاءَ ذاك المطر ، قَرَأت فيه كل لغات العالم على تلك الجدران ، و زَيَّنَت كُل ثقوب رصاصهم بتلك الورود من ذاك البَنَان, وعادت لِتُغالِبَ النُعاس و اليقظة ، تبتسم لذاك الحُلُم الخفي على أسوارِ الماضي ، وهو على زَهرِ اللوزِ يضحك ، حُلُماً لا يموتُ و لا يَحيى ، بَل سَحاباً يُخَفِفُ عِبْئَ الفَراشَة. على عكس الصورة الحقيقية التجريدية التي لا يمكن شرحها ، لأنها تنقل الحقيقة التي يدركها الواحد منا بقلبه أو وجدانه الخاص ...فَرَضَ العَجزُ نفسه أمام الفيلم القصير " جوري " بالرغم من إستخدام الدلالات الفكرية و العقلية.
لقد إستطاع المخرج الشاب يزن نجدت أنزور أن يُحَيِدَ العقل جانباً ، ويترك لِحَدّسِ المُشاهِد أن يستوعب جَمالَ العمل الفني "جوري" و إدراك و فهم رسائله التي إعتمد في رسمها على الرمزية الروحية و الواقعية و الخيالية في حالة مَزّجٍ قَلَّ نَظيرها لإنتاج مفاهيم جديدة للموت و الحياة و للحرية و الإنسانية و الوجود و الماضي و الحاضر و المستقبل .
فبالرغم من صِغَرِ سِنها ، إستطاعت بطلة الفيلم الطفلة شهد الزَلَق أن تُكمِلَ و تُوصِل رسالة من شاركوها البطولة ، الفنان اللبناني بيير داغر ، و الفنانة روبين عيسى ...
رسالة وَلَجَّت إلى مشاعر و أحاسيس و قلوب و عقول من تابع إفتتاح الفيلم الإحترافي القصير " جوري " الذي يتحدث عن مأساة طفلة مُدَلَلة ووحيدة لأبويها ، إسمها جوري ، بعد مطاردةٍ دموية و عنيفة راح ضحيتها كل سكان الحي ، تدرك الأم أنها هالِكَة لا مَحالة ، فتُخفي إبنتها في حفرة لتنقذها من الإرهابيين عسى أن تُكتب لها الحياة ، و تستسلم هيى لِقَدَرِها .
تُظهِرُ أحداث الفيلم أن والدي جوري قد فارقا الحياة و أصبحت وحيدة في مدينةٍ خاوِيَةٍ على عُرُوشِها ، إلا مِنَ الدِماء و الأجساد الهالِكَة, وحده القَدَر و الأرواح كانوا رِفاق جوري في مِحنَتِها التي تُرِكَت نهاياتها المفتوحة لِحَدسِ المُشاهِد. " جوري " فيلم إحترافي قصير تأليف و إخراج يزن نجدت أنزور و هو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما و من بطولة
الممثل اللبناني بيير داغر -- روبين عيسى --الطفلة شهد الزَلَق -- محمد نظام رعد-- مجد الزند-- أحمد حبش-- علي إبراهيم.
تم عرض الفيلم في حفل الإفتتاح في دار الأوبرا بدمشق مساء يوم الثلاثاء 20/8/2019 الساعة 8 مساءً برعاية وزير الثقافة محمد الأحمد و مدير المؤسسة العامة للسينما مراد شاهين ، و بحضور عدد كبير من النخب الإعلامية و الثقافية و السياسية و الفنية و الإجتماعية.
المخرج السوري العالمي ونائب رئيس مجلس الشعب نجدت أنزور صَرَّحَ لشبكة آرام بريس الإخبارية أنه يبارك هذا الإنجاز لِنَجلِه يزن ، مشيراً إلى أن الأزمة التي مرت بها سورية أفرزت الكثير من الأحداث و الوقائع وكان لا بد للسينما السورية أن تقوم بدورها لنشر الوعي و الثقافة من خلال مثل هذه الأعمال التي تؤرخ للأجيال القادمة ماضٍ من الصعب نسيانه أو تجاهله و تمهد بنفس الوقت لِغَدٍ أكثر إشراقاً و أملاً .
من الناحية الفنية التي تطرق لها المخرج نجدت فقد أثنى على حرفية العمل و الحساسية التي أظهرها المخرج بين اللقطات متمنياً على نجله أن يشق طريقه بإبداع يخصه يوصل الأعمال السينمائية القادمة نحو العالمية, وهو ما يقع على عاتق المؤسسة العامة للسينما من خلال تبنيها للوجوه الفنية التي تمتلك الكثير من الملكات الإبداعية الكفيلة بصناعة النجوم و الفن الراقي . و خير دليل على ذلك الطفلة شهد الزَلَق التي أدت دورالبطولة في هذا الفيلم بحرفية و هو ما يجعلنا نتوقع لها نجاحاً باهراً و مستقبلاً زاهراً في عالم السينما
بدوره المخرج يزن أنزور أفاد بأن في هذا العمل مزيج من الخيال و الروحانية و الإنسانية يهدف إلى إظهار الوجه البشع للإرهاب الذي لا يسلم منه أحد حتى الطفولة .إضافةً إلى أن فيلم "جوري" يعتبر بصمة جديدة في لوحة أعمال يزن أنزور التي كان أولها فيلم "خبز" الذي حصد جائزة أفضل إخراج ، ثم تبعه فيلم " الله معنا " ثم " تاتش" ثم الفيلم الروائي الطويل " حنين الذاكرة " .
الطفلة شهد الزَلَق بطلة الفيلم قالت بكل براءة أنها سعيدة بما أنجزته سعادةً لا توصف, وعند سؤالها عن سر تنفيذها لدورها الصعب و عن دمعة الحزن التي كانت ترافقها طوال العمل قالت..... أديت دوري و كأنه حقيقي ساعدني في ذلك المخرج و فريق العمل ، وهذا النجاح لم ياتي عن عبث بل بسبب إصراري و طموحي في دراسة الفن السينمائي لأنني اريد أن أكون نجمة عالمية .
ختمنا اللقاء مع مسك الختام شهد الزَلَق و نحن نداعب أحلامها في اللحظة التي كان يرنو إلينا من بعيد بنظره الثاقب المخرج نجدت أنزور و كأني بِهِ يقول .....الغَدُ لَكم يا شهد