يناديه من جَنَباتِ اللامُنتهى أن تَمَهَّلا....
و إخلع عنك ذاك الرِداءَ قبل ولوجكَ عالَمي...
فإنكَ في وادي الحُبِ المُقَدّس لا طَوعاً و لا مُكرَها....
أراكَ و لا تراني ، فأنا أنتَ ، و أنتَ أنا....
و هذه خَمرَتي أجودُ بِها....خُذ منها تراتيلاً تَكُن بِها مُخَلَّدا....
ما عاد العابر أسير الألم و الشعور به ، فقد تخطى تلك العتبة القَدَريَة, لحظةٌ تآمَرَ عليه بها ريحانُ الأرضِ و عَوسَجُها ، في الغياب...فألقوا على كاهِلِه حِملاً ثقيلاً ، يُبعَثُ بِهِ حَيَّاً و يُوقِفُ الزمن...وحدها رُسُلُ الهوى مِنَ الخوافِقِ و الأحداق كانت الأمل....في جنون عواصف الأنا و سِهامُ المُقَل....
يخطو العابِرُ على دروب الياسمين مُستوحِشاً يبحث عن ظِلِّهِ فلا يراه....و لكنه هُنا ...ليس هذا طيفه و لكنه ....هُوَ صدى الفؤاد . يُرعِبُه ، فلا يدرك أنه فيض الأمل...
أمَلٌ أرسَلَ شياطين الأرض بروح الملائكة ، لتصنع من الموت بعد الألم وِلادة....وِلادَةً أسقطت بخريفها كل أوراق التوت و أعلنت على نور شمعتين ، ربيع الحب و السعادة .
يحدث في غيابك .....فيلم روائي طويل وهو التجربة الأولى للمخرج سيف الدين سبيعي ، مع المؤسسة العامة للسينما.إستطاع المخرج و أبطال الفيلم أن يَلِجوا بهذا الطرح الجريئ إلى عوالم عميقة في نفوس من عاصروا الأزمة السورية.
عوالم كانت بأمس الحاجة لمن يسقيها بجرعة الحب و الأمل لتعود لها الحياة. لم يستخدم المخرج المبدع سيف السبيعي الأسلوب الرمزي في أحداث الفيلم ، بل عالج قضية جوهرية قد تحدث مع أي إنسان، وذلك من خلال العزف على أوتار العاطفة و تغليبها على كل الصِعاب. و كأنا به يقول ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وليس بثقافة الدم و الكره و الحقد و الإنتقام...... وحده الحب يستطيع أن يدخل إلى كل العوالم و في كل الظروف و الأزمان لينتصر اخيراً .
يروي الفيلم قصة شاب صحفي متزوج و لديه طفل ، تتعرض زوجته و طفله للإختطاف الذي طال إحدى الحافلات المخصصة لنقل المُدرسات من قبل الإرهابيين..
في ظل حالة الفوضى وانتشار الإرهاب وغياب العقل يتجرد الرجل من كل ثقافته في لحظة ضعف و يقوم بإختطاف طبيبةٍ من نفس المنطقة التي تمت بها عملية خطف زوجته و زميلاتها و طفله .
كان يريد أن يساوم بها من أجل إطلاق سراح زوجته و طفله, تمر الأيام والأشهر والطبيبة حبيسة بيت الصحفي في ظِلِ أحداثٍ لا تخلو من التوتر والعصبية و الظروف الطارئة، بشكلٍ يستطيع المشاهد أن يقرأ علامات وإشارات إحتمال إنفجار العواطف والمشاعر بينهما بالرغم من الأمر الواقع الذي جمعهما .
بعد ورود خبر مقتل زوجته يمر بحالةٍ عصبية توصله إلى حد إرتكاب جريمة القتل بحق الطبيبة إنتقاماً .ولكنه يتردد في اللحظة الأخيرة بسبب طغيان و سيطرة العادات و التقاليد الدفينة و الموروثة لدى الرجل الشرقي النقي, وهو ما حاول المخرج أن يظهره بكل حِرَفية .
تمر الأيام سِراعاً و يفرض الأمر الواقع نفسه بكل قوة يقرر على إثره الصحفي إطلاق سراح رهينته بشكل لائق يُعَبِرُ عن المخزون المعرفي و الثقافي الذي يحمله في داخله ، و هو سرعان ما إلتقطته الطبيبة الأسيرة فبادرته المشاعر نفسها .
يلعب القَدَرُ لُعبَته الجميلة..... فيتعرضا لهجوم من قِبَلِ ثلاثة لصوص مسلحين يسلبونهم أثاث المنزل و يبقون لهم على مكتبة و محتوياتها من الكتب التي تحولت في تلك الليلة إلى سرير يحتضن جسدين يتعانقان وقد حولهما شيئ خفي فوق طاقتهما وشعورهما إلى عاشقين في ظل نور شمعتين تركتا الباب مفتوحاً على مصراعيه لخيال المُشاهد ....
تم العرض الخاص للفيلم في تمام الساعة السابعة من مساء يوم الأربعاء 27/11/2019 في صالة سينما سيتي في دمشق برعاية وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد وبحضور عدد من الفعاليات الثقافية والإعلامية في سوريا وأعضاء السلك الدبلوماسي وطيفٌ واسع من المثقفين ونجوم الفن من لبنان و سورية .
الأستاذ مراد شاهين مدير عام المؤسسة العامة للسينما أشار في كلمة الإفتتاح التي ألقاها إلى الرسالة التي يحملها الفيلم و التي تتطرق إلى خصوصية الطرح و الموضوع و المحتوى و الهدف و الجرئة التي تعتمد على تعاون أسرة الفيلم من أجل إنجاحه ، لا سيما وأن الشعب السوري و في ظل الأزمة التي مَرَّ بها أُريدَ له أن يتخلى عن أسمى مَلَكاته وهي الحب والتسامح والعيش المشترك .
فما كان من المؤسسة العامة للسينما إلا أن باركت إنتاج هذا الفيلم لإيصال رسالته المهمة إلى كل من فقد بوصلته السورية حتى يستعيد وعيه و يعود أدراجه إلى المُثل و القيم السامية التي زُرِعَت في أوصاله ، و التي أُريدَ له أن يتخلى عنها وهو مالا يمكن أن يكون في ظل حالة الوعي و المحبة التي باتت راسخة في قلوب و عقول السوريين .
شاهين أضاف مباركته للمخرج سيف الدين سبيعي على تجربته السينمائية الأولى مع المؤسسة العامة للسينما متمنياً له النجاح و التوفيق .
البطاقة الفنية للفيلم :_
عنوان الفيلم : يحدث في غيابك.
إنتاج : المؤسسة العامة للسينما.
سيناريو : سامر محمد إسماعيل .
إخراج : سيف الدين سبيعي .
مدير الإنتاج : وائل جبارة .
مدير التصوير : وائل عز الدين _ عقبة عز الدين
مهندس الصوت : مهدي رحيم زادة
مخرج منفذ : رواد شاهين _ علي نبيل إبراهيم
منفذ إنتاج : وائل يونس
فوكس بولر : طارق شمط
تصميم ديكور : سلمى حويجة
ديكور : رامي أيوب
مكياج : عبير قضماني
ملابس : رجاء مخلوف
سكريبت : تسنيم باشا
تمثيل : يزن خليل _ رُبى زعرور _ جلال شموط
نور الوزير _ عبد الرحمن قويدر .