بقلم الإعلامي عمار عوض... لقاء خاص ولَحظَةُ بَوح مراد شاهين
كَمَن لاذَ بالفرارِ مِنْ صَخَبِ الضَّجيجِ وَ بَردِ الشِتاءِ نحوَ فُسحَةِ الكُمون يشتاقُ تَنَفُسَ الصُعَداء, راحَ يسترجع ذكريات أعوامٍ و كأنها دقائق قضاها مديراً عاماً للمؤسسة العامة للسينما في سورية, أعوامٌ تَحاصَرَت و حاصَرَتهُ معها بلونِها الأسوَد و الأحمَر.
نَصيبُهُ من إسمِهِ كَقَبَسٍ في نِهايَةِ النَّفَقِ الحالِكِ في ظُلمَةِ وَطَن ، صَنَعَ ريشَةَ فَنانٍ وَ إرادَة المُراد أبدعت بِكَسرِ القواعِدِ لِيُولَدَ قَوسُ قُزَحٍ يُبَعثِرُ بِسيمفونية الفرح و الحزن و الألم سَردِيَّةَ الحقيقة المُطلَقَة لِلوِلادَةِ و الموت .
وَلَجتُ خُلوَتَهُ وَ في جُعبتي الكثير من الأسئلة, فَجادَ بَعدَ حُسنِ الوِفادَةِ كَعادَتِهِ بِإِجاباتٍ زَيَّنَها بِعُذوبَةِ نُطقِهِ لِلُّغَتِهِ العربية إلى حَدِّ الثَمالَة وَكَأنَّهُ يستَذكِرُ كُلَ ما خَطَّهُ و باحَ بِهِ في إفتتاحيات العروض السينمائية السابِقَة .
بطاقة تعريف "مُراد شاهين "
_ حاصل على بكالوريوس " إدارة الإنتاج " من قسم الإنتاج السينمائي و التلفزيوني عام 2007 من أكاديمية العلوم السينمائية و التلفزيونية في براغ _ جمهورية التشيك .
_ مدير شؤون الإنتاج السينمائي في المؤسسة العامة للسينما 2010 _ 2016 .
_ مدير عام المؤسسة العامة للسينما منذ تموز يوليو 2016 خلفاً لوزير الثقافة السابق محمد الأحمد الذي كان يرأس المؤسسة العامة للسينما .
بداية الحديث كانت عن واقع المؤسسة العامة للسينما و إنجازاتها و الصعوبات التي واجهت مسيرتها في ظل الأزمة السورية و انعكاس ذلك على صناعة السينما .
حيث أفاد شاهين بأن المؤسسة العامة للسينما تعتبر مسؤولة عن تحديث و تطوير وسائل و آليات الإنتاج و إدخال التقنيات الحديثة و إقامة المهرجانات و الأسابيع السينمائية المتبادلة., بالرغم من الظروف التي تحكمت بالأدوات المناسبة فقد إستطاعت المؤسسة إنجاز دبلوم العلوم السينمائية كمشروع متكامل ضمن ما هو متاح لدينا , و ساهمت الأعمال التي أنتجتها المؤسسة بخرق الحصار المفروض على سوريا و الذي أثر على الجانب الفني و الثقافي ، هذا الخرق تم من خلال العروض و ليس على الصعيد الإقتصادي .
يجب أن نعلم بأن المشروع السينمائي و الثقافي مرتبط بشكل وثيق بالوضع الإقتصادي ، ذلك أن أهم ما يميز المشروع السينمائي هو تشجيع القطاع الخاص بإيجاد صالات عرض متطورة ، و ما منع ذلك هو الحصار و العقوبات الخارجية و التضخم الإقتصادي, و حتى نكون منصفين فإنه من غير المنطقي أن تكون المؤسسة العامة للسينما هي المنتج الوحيد للسينما دون القطاع الخاص, فاليوم نشاهد ان شكل الاستثمار في الإقتصاد السينمائي قد إختلف ، فهناك شركات كبرى تفتتح صالات عرض حديثة متطورة في أكثر من دولة عمادها " الإيراد الكلي ", ونتمنى أن نشاهد ذلك قريباً في سوريا حتى يتحول الأمر إلى صناعة سينما .
* ما هو الدعم المقدم حالياً من المؤسسة العامة للسينما للقطاع الخاص؟؟
المؤسسة العامة و وزارة الثقافة تستطيع أن تقدم كل أشكال الدعم من تسهيلات و إستيراد معدات و تجهيز الصالات لمن يريد أن يستثمر في السينما .
* ما الذي يتفرد به إنتاج المؤسسة العامة للسينما عن القطاع الخاص.؟
المؤسسة العامة تنتج ما يعالج القضايا المجتمعية و الثوابت الوطنية من خلال مواكبة الحدث ، أما القطاع الخاص فهو يواكب ما يتطلبه " شباك التذاكر " أي أنه تجاري و مردوده ربحي بالدرجة الأولى و هو ما لا تنتهجه المؤسسة العامة للسينما, علماً بأن المؤسسة تستطيع أن تقوم بالإنتاج المشترك مع القطاع الخاص إذا كان المحتوى يُلَبي ثوابت و تطلعات المؤسسة .
* ما هي الأفلام التي تركت إنطباعاً خاصاً و أثراً عميقاً لدى مراد شاهين خلال مسيرته في إدارة المؤسسة العامة للسينما؟؟
كل الأفلام كان لها أثراً ، بالذات تلك التي ترى فيها شيئاً منك و من المجتمع لا سيما إذا كان العزف فيها على وتر المُعاناة , فبعض المخرجين يجعلك ترى ما هو على الورق هو نفسه ما تراه على الشاشة ، و البعض يصنع الفارق النسبي ، و البعض الآخر يَصنَعُ بِإبداعِهِ نقلة نوعية بين ما هو مسطور و ما هو معروض , وأذكر على سبيل المثال لا الحصر أفلاماً واكبت اللحظة الآنية و الواقع و تركت أثراً لدي و لدى الغالبية :
" مريم " للمخرج باسل الخطيب .
" رد القضاء " للمخرج نجدت أنزور .
" رحلة يوسف " / " مطر حمص " للمخرج جود سعيد .
" العاشق " للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد .
* هل تؤيد الأدوار الجريئة؟؟
اللحظة الدرامية هي التي تفرض أو لا تفرض المشهد الجريئ ، و أنا نصير المشهد الجريئ إذا كان يخدم المحتوى شرط الإتزان و تلبية الفكرة ، أما غير ذلك فأنا أرفض الدور لأننا سنصبح حينها أمام فكرة غايتها الجذب الغرائزي فقط لا غير .
هناك مشاهد جريئة في الدراما لا أدعم فكرتها لأن الدراما تدخل البيوت بكثافة لا سيما في أزمنة ذات قداسة دينية كشهر رمضان ، و تتأثر بها فئات عمرية معينة غير جاهزة لإستيعاب المادة المعروضة . و هو ما يختلف في الحالة السينمائية ، لأن السينما تلفت عناية المُشاهد قبل العرض إلى الفئة العمرية التي تتوجه لها المادة الفيلمية المعروضة .
* بين " العفوية و الرمزية و الصمت " في الفكرة السينمائية أي الكفة ترجح في إيصال الرسالة برأيكم؟؟
بهدف تحفيز المُشاهِد للتفكير و الغوص في غمار حبكة العمل المعروض فإن غالبية الأعمال السينمائية تعتمد على الرمزية من أجل الهروب من المباشرة في الطرح ، علماً أن هذا الأسلوب هو مفهوم عالمي . أما المبالغة في إستخدام الرمزية فله علاقة بالتراكم الثقافي و الذائقة المجتمعية السينمائية لكل بلد .
* هل ساهمتم بعمل خاص على الصعيد الشخصي من حيث فكرة فيلم أو كتابة سيناريو؟.؟
هناك شغف منذ البدايات و لكن الفرصة أتيحت لي من موقعي الإداري لتذوق متعة مشاركة المخرجين بالفكرة و أسلوب الطرح و تقدم النص و مراقبة إتجاهه .
* كيف تشاهدون مستقبل السينما في سورية؟؟
االمشروع السينمائي في سوريا أمامه الكثير من الصعوبات لاسيما و أنه مازال في مرحلة المخاض لأنه لم يرتقي حتى الآن ليصبح صناعة آمنة , حتى يصبح صناعة مربحة يجب النظر إلى القطاع الخاص و الإستثمار السينمائي في الصالات و الإنتاج و التشريعات و قوانين الضرائب و التسهيلات المقدمة من الدولة لمن يريد تصوير فيلم في سوريا .كل ما سبق موصول بإنشاء صندوق لدعم السينما من قبل الدولة .
حتى نقول اليوم أن المشروع السينمائي السوري بخير لا يكفي أن تكون المؤسسة العامة هي المنتج الوحيد للسينما السورية ، لأن المؤسسة العامة تتمتع بطابع خاص في إنتاج الأفلام . لذلك يجب دعم القطاع الخاص حتى يكون فاعلاً في صناعة السينما / صالات عرض ، إستثمارات مواكبة ، مشروع سياحي جاذب / لتكون سورية بمثابة أستديو محبب للتصوير من قبل الجهات الخارجية, كل ذلك يجذب الأموال و يؤهل الكوادر و يشكل سوق خدمات إنتاجية حقيقي, أيضاً مراعاة الضرائب يشكل عنصر جذب للإستثمار في سوق الإنتاج السينمائي السوري, وصحيح أن الظروف الآن غير مواتية ، إلا أننا نتمنى مستقبلاً أن تتحسن ليتم التأسيس لكل العوامل السابقة حتى يكون لدينا مشروع سينمائي حقيقي مرتبط بالصناعة السينمائية و يعود بالفوائد و الأرباح على الدخل الوطني, و هنا يجب أن لا نغفل حقيقة الفارق بين منتجين و مخرجين ما قبل و ما بعد الحرب من حيث / المدرسة وَ تبني المشروع وَ الفكرة وَ آلية العمل / .
* مقولة آمن بها مراد شاهين و تحققت.؟؟
" إمنح عملك الحب و الإجتهاد و التفاني ليعود عليك الخير و اعلم أن أعمق مستنقع للإنسان قد يغرق فيه هو منطقة الراحة, إن غياب المنافسة في أي عمل هو مقتل ، لأن المنافسة تحفز على التطوير و الإبتكار, إعلَم أن العِلمَ لا ينتهي " .
* شعارك الذي تقتدي به؟؟؟
" المستبد العادل هو القانون لأن تطور الأمم مرهون بعدله ".
* أمنيتُك؟؟؟
" بالرغم من شدة الألم ، فهي ليست كغيرها لأنها الساحرة وَ جميلة الجميلات بأرضها و شعبها الطيب, وأتمنى أن تبقى كما أراها لأنني مُتَيَّمٌ بِعِشقِها وَ هَواها, فليحفظ الله سورية و أهلها " .