لم تعد الثقافة تقتصر فقط على المعلومات العامة، بل بات من الضروري امتلاك مهارة التعامل مع العالم الرقمي و إن كنا خارجه نظرياً لكن الوضع العام يكشف عن خطوات متسارعة نحو الانزلاق إلى الاقتصاد الرقمي و العملات المشفرة و الدفع الالكتروني, بالإضافة إلى انتشار الأجهزة المنزلية الذكية و تطور عمليات الربط مع الهواتف اللوحية بهدف حصول الفرد على تفضيلات خاصة تسهل حياته، لذا لم يعد منطقيا أن يكون جل ارتباطنا بالعالم الرقمي هو امتلاك حساب على أحد وسائل التواصل الاجتماعي بل علينا أن نمتلك القدرة على العوم في البحر السيبراني إذا كنا نريد البقاء ضمن التاريخ.
ضمن هذا السياق أجرينا حوارا خاصا مع السيد شادي خوري المدير العام لشركة الخدمات البرمجية الذكية للحديث عن دور تقنية المعلومات في تطوير المجتمع وفلسفة الحياة ونبدأ بسؤال:
- ما علاقة الرياضيات و تقنية المعلومات؟
بالبداية يشرفنا الترحيب بأحد الوسائل الاعلامية النزيهة ذات المصداقية التي تساهم في نشر الفائدة والثقافة في المجتمع السوري الحبيب، علاقة الرياضيات بتقنية المعلومات علاقة وطيدة؛ فكل النظريات المعلوماتية مبنية على المعادلات والنظريات الرياضية، لذلك نجد أن المواد الأساسية المطلوب دراستها في كليات الهندسة المعلوماتية هي النظريات الرياضية وبحوث الرياضيات.
- من المعلوم أن الأتمتة تفيد المجتمع في الحد من هدر الوقت و الجهد و المال كيف بإمكاننا تطبيق الأتمتة بصيغتها المثلى أفراداً و مؤسسات و حكومة؟
يجب تحديد الأعمال التي علينا تحويلها من عمل بشري الى عمل مؤتمت، فالهدف تحويل الكمبيوتر من مساعد للعامل البشري وصولاً إلى أن يصبح مساهم في صناعة القرار؛ حيث يحل الكمبيوتر محل الورقيات والمراسلات التقليدية، بهدف ضبط البيانات؛ وكل ما كانت العمليات مؤتمتة قل هامش الخطأ - فمثلاً القراءة الالكترونية للهوية تقلل من تداخل الاسماء – مما يزيد امكانية البحث بدقة و فعالية و بسرعة، كما يعطي تجميع البيانات بصورة مؤتمتة القدرة على انشاء تقارير احصائية تسهل دراسة واقع معين، و تجعل الاستجابة لمتطلبات هذا الواقع أكثر دقة وواقعية بناء على هذه التقارير، بل و أكثر من ذلك يمكن توقع الاحتياجات المستقبلية لهذا الواقع، بناءً على كم العمل في فترات أو ظروف مشابهة من خلال النظريات الاحصائية و الاستقراء و التوقع, كما يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك من خلال الأنظمة الخبيرة أو الذكاء الصنعي فيقوم الكمبيوتر مباشرة بتحليل التقارير واتخاذ القرار في ظل نقص الخبراء.
النظريات المعلوماتية يمكن تطبيقها بأي مجال فمثلاً في مجال المواصلات : يمكّن التنبؤ بعدد المواطنين الذين يستخدمون وسائل النقل العامة من منطقة (أ) إلى منطقة (ب) خلال فترة زمنية معينة وبالتالي اعتماد عدد من وسائل النقل التي تغطي هذه الأعداد بهدف تحسين الخدمة المقدمة للأخوة المواطنين وتقليل فترة الانتظار وهل يكمن الحل بزيادة وسائط النقل أو وجود مواقف تبديل أو ...إلخ.
- هل يمكن القول أن الذكاء الصنعي أهم من الذكاء البشري؟
لا يمكن الاعتماد على الذكاء الصنعي بالمطلق بل يجب أن يمارس العامل البشري دور الرقابة، لأن خوارزميات الذكاء الصناعي هي عبارة عن طرق تساعد لمعالجة مشكلة معينة، فالهدف ليس كما تصور أفلام الخيال العلمي ( إلغاء البشر) بل مساعدة البشر، فمثلاً الشبكات العصبونية - أحد تقنيات الذكاء الصنعي- تستخدم للتنبؤ وبالتالي يمكن لأصحاب القرار اتخاذ القرار المناسب للظروف المتوقعة، كما تستخدم في أنظمة التعرف على الوجوه التي يمكن استخدامها في مجالات متنوعة و خاصة بمجالات تعقب و مراقبة المجرمين أو تنبيه السائقين للظروف المحيطة عند ملاحظة انشغال السائق عن الطريق.
ان تراكب الذكاء الاصطناعي مع منظومات الأتمتة يعطي قدرة للحاسوب لزيادة فائدة المستخدم، من خلال الكثير من التطبيقات التي تتكامل لتحقيق أكبر فائدة من الموارد.
- من وجهة نظر بعض المواطنين السوريين: هناك من يتهم التقنية بأنها ساهمت في اضافة عراقيل أمام حصولهم على الخدمات ( البطاقة الذكية) ؟ أو على الأقل لم تؤد الغاية التي استحدثت من أجلها، فلا زلنا نرى الازدحام على الأفران وتأخير استلام الغاز وتأخر رسائل المحروقات؟
البطاقة الذكية ليست السبب من وجهة نظري؛ وبرأيي البطاقة الذكية ساعدت الحكومة على التوزيع العادل، وخففت من الفساد ومحاولة البعض من التحكم في التوزيع، فعندما لا تتوفر المواد لا يمكن أن نلوم النظام المؤتمت الذي يتحكم بالتوزيع، بل على العكس يساهم النظام المؤتمت بالتحكم بالموارد المحدودة، بل ومعرفة أين وزعت هذه الموارد؛ وهل وزعت بكفاءة.
ما يحدث أحياناً في ببعض المؤسسات أو الشركات أن مصمم المنظومة غير مدرك تماماً لآلية العمل ضمن المؤسسة، أو أن المؤسسة اشترت منظومة بناء على توصيات قد لا تتطابق مع نشاط المؤسسة عملياً، النظام المؤتمت هو مثل أي آلة يحدد مدى نجاحه بناؤه الصحيح وقدرة المستخدم على الاستفادة القصوى من النظام نفسه.
- كيف يمكننا تطبيق تقنية المعلوماتية والرياضيات التطبيقية في احتساب تكاليف إنتاج سلعة معينة أو تكاليف استيراد مادة أولية؟
لدينا الكثير من النظريات في هذا المجال، ونمتلك معادلات تقدم أعداد الزبائن المتوقعة، وأخرى تحدد الإيراد الأقصى المتوقع لمنشأة أو معمل مع استخدام الحد الأدنى للموارد، أو تعطي عدد العمال المطلوب توظيفهم لتشغيل المنشأة لتحقيق أقصى فائدة من العامل البشري، وتقليل وقت الانتظار للحصول على الخدمة، بالإضافة لتوزيع نقاط البيع، واختيار وجدولة أنسب الطرق لمرور سيارات التوزيع.
السوق السورية بالمعظم؛ بحاجة لتوعية كبيرة بضرورة استخدام النظريات الرياضية التطبيقية والمعلوماتية في العمل لحل المسائل التي نواجهها، ليس لدارسي تقانة المعلومات فقط بل، لكل دارسي الفروع التطبيقية التي تدخل الرياضات في صلب دراستهم مثل الهندسة والاقتصاد ... لأنها تعطي نتائج أدق مقارنة بعدم استخدام هذه النظريات.
- ما أهمية تقنية المعلومات في تطوير الأفراد بالدرجة الأولى فالمجتمع عبر مؤسساته العامة والخاصة؟
لا يوجد اليوم من لا يستعمل أحد التطبيقات الجاهزة بشكل أو بآخر بهدف مساعدته؛ سواء كان بهدف معرفة نفقات المنشأة أو حتى معرفة المسافة التي يمشيها يومياً، وصولاً إلى من يطور تطبيقات خاصة به حسب الطريقة التي تعمل بها مؤسسته، مثل آلية الانذار ومراقبة دوام الموظفين، لذا يمكننا القول إنه لا توجد أي جهة لا تعتمد على إحدى تطبيقات تقنية المعلومات، مالياً على الأقل من خلال تطبيقات المحاسبة التي باتت أساس لأي نشاط مهما كان صغيراً وحتى بالمستويات التشغيلية الدنيا، بهدف تطوير العمل للحصول على إنتاجية أفضل و يستفيد من الموارد المتوفرة أكثر ليحقق ربح و نجاح يسهم في توسيع نطاق العمل و مجالاته.
- مالخبرات المطلوبة للقائمين على الأتمتة من الناحية التقنية ؟
يجب ان تكون لديه خبرة جيدة في لغات البرمجة و كيفية بناء الأنظمة المعلوماتية و قواعد البيانات والحواسيب و الأتمتة و الذكاء الصنعي.
ختاما نشكر الاستاذ شادي خوري على هذا الحوار, ونقول ان الأتمتة والرقمنة لا بد منها لتسهيل حياة الفرد والمؤسسات وبشكل خاص في انجاز المعاملات اليومية بيسر وسهولة.