ما تزال الولايات المتحدة / على نحو خاطئ/ تمارس على مستوى العالم سياسة احادية القطب متجاهلة الكتلة الروسية الصينية المتنامية في امكاناتها الاقتصادية والعسكرية والكفيلة ليس فقط بموازاة القوة الامريكية بل بتجاوزها في بعض الاسلحة الاستراتيجية والتي منها ما تم تجربتها على مرأى ودهشة من الغرب (نجاح صواريخ مضادة للاقمار الصناعية في تدمير قمر صناعي قديم) ومنها ما تم الكشف عنها من قبل الرئيس بوتين شخصيا كالصواريخ الهايبر صوتية ومنها ما زال طي الكتمان بانتظار لحظات اكثر سخونة
يستمر التعنت الامريكي حيال الصين في دعم تايوان عسكريا وانشاء تحالف عسكري هناك والتنسيق مع اليابان مؤخرا لجرها للحرب ضد الصين بمجرد بدا اي ضغط صيني لاستعادة تايوان الى الوطن الأم، وكذلك حيال الروس في فرض عقوبات تصاعدية على روسيا وكذلك محاولة محاصرتها بالناتو من كل الجهات و في الاستمرار بنقل معدات عسكرية وضباط من الناتو الى اوكرانيا والتمهيد لضم هذا البلد الى الناتو وذلك بعد بضعة سنوات من الانقلاب على الشرعية في ذلك البلد والمجيء بالنازيين الجدد وعلى رأسهم صبي امريكا زيلينسكي رئيسا غير شرعي للسلطة فيها.. تجاهلت الولايات المتحدة بتوسيعها الناتو شرقا على مدى ثلاثين عاما من المؤامرات ودعم الثورات الملونة في شرق اوروبا تعهدات كانت اطلقتها ادارة جورج بوش الاب ووزير خارجيه جيمس بيكر بعدم توسيع الناتو شرقا..تلك التعهدات التي كانت اعطيت عام ١٩٩٠ بعد توحد المانيا اثر انهيار جدار برلين قبل ذلك بعام ( عام ١٩٨٩) حيث مقابل عدم بقاء المانيا الشرقية على الحياد (كما كان متفقا
عليه) وانضمامها ( بحكم وحدتها مع الغربية الى الناتو) كان التعهد من قبل ادارة بوش الاب ووزير خارجيته بيكر باحترام الطلب الروسي بعدم التوسع شرقا اكثر من المانيا الشرقية وسط ترحيب اوروبي ( الماني فرنسي) بهذا التعهد في حينه .. وهو ما لم يطبق لاحقا ..حيث استغل الامريكي انهيار الاتحاد السوفيتي وضعف روسيا فكان التوسع الاول بانضمام دول التشيك بولندا والمجر عام ١٩٩٩ ليتلو ذلك في عام ٢٠٠٤ انضمام بلغاريا، إستونيا، ليتوانيا، لاتفيا، رومانيا، سلوفاكيا، وسلوفينيا؛ عام ٢٠٠٩، البانيا وكرواتيا؛ عام ٢٠١٧ الجبل الأسود؛ وعام ٢٠٢٠ مقدونيا الشّمالية مع توقعات بتخلي السويد وفنلندا عن حياديتهما وبالتالي انضمامهما ..والاكثر خطورة بالطبع رغبة كل من جورجيا واوكرانيا بالانضمام للحلف ما يجعل موسكو في مرمى صواريخ الناتو في غضون اقل من ٤ دقائق لو وافق الناتو على طلبهما ..
وسط هذا التعنت الامريكي على مدى ثلاثة عقود بتجاهل الادارات الامريكية المتعاقبة تعهدات الادارة الامريكية ( بوش الاب وجيمس بيكر) وتصريحات متكررة في عهد الإدارة الحالية (بايدن) برغبة الناتو بمزيد من التوسع شرقا :
تقدم الروسي قبيل نهاية العام المنصرم باقتراح من بنود لو قبلها الامريكي لكانت أدت لإخراج كل دول اوروبا الشرقية من الناتو مع تعهد خطي برفض دخول جورجيا واوكرانيا ويطالب الروسي ضمن بنود مقترحاته أيضا باحترام ميثاق الامم المتحدة وواضح ان الأمريكي خرق الميثاق فدخوله العراق غير شرعي ، وبالتزوير والتلاعب حصل الغرب على قرار اممي بدخول الناتو الى ليبيا فمزق وقتل بالطائرات عشرات الآلاف من المدنيين وتسبب في حرب اهلية مزقت البلد وتسببت في انهياره ، بينما في سورية وبحجة القضاء على داعش التي اشرف هو شخصيا على تشكيلها ودعمها تمركز الامريكي باسم التحالف في التنف واتفق مع المتمردين الاكراد ( قسد) ليحتل مساحة هامة من شمال شرق سورية ( منطقة الجزيرة) ليسرق النفط ويدمر الزراعة ويحرق محصول القمح هناك وما الى ذلك من اعمال غير شرعية تناقض ابسط مبادئ ميثاق الامم المتحدة واهمها عدم التدخل بشؤون الدول الاخرى او احتلال اجزاء منها بالقوة.
من غير الواضح ما اذا كانت القسوة في طرح المطالب الروسية تكتيكا تفاوضيا أم استراتيجية "كل شيء أولا شيء", الا انه من الواضح تماما ان الامريكي يماطل بل ويرفض المطالب الروسية المحقة بينما بوتين يؤكد انه سيعيد الولايات المتحدة الى مكانها دون ان توضح القيادة الروسية ماهية الخطوات التي ستتخذها لحماية امنها ولحماية حدودها, ولكن وبوضوح تام نفهم ان هناك خطوط حمراء روسية ..فقد قالها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوماً: "ما حاجتنا لعالم بدون روسيا؟" هذا تحديداً ما يفعله الغرب بتضييقه حلقة العقوبات، ووضع الصواريخ على حدود روسيا، لنصبح الآن على مقربة من الخط، الذي يصبح من الممكن بعده إيجاد عالم بدون روسيا، لذلك فليس لدى روسيا ما تخسره.
بالعودة عامين ونيف الى الوراء وباستعراض ما كانت نشرته مؤسسة راند الامريكية حينها من ان إضعاف روسيا يتطلب توريطها بتدخلات عسكرية خارج حدودها مما يعيق جهودها في استثمار ثرواتها الممتدة على ارض شاسعة غير المتناسبة ابدا في المساحة مع تعداد سكانها والمدهش ان الخيارات التي وضعتها المؤسسه في حينه جاءت بتسلسل يماثل تماما ما حدث لاحقا طوال هذين العامين لاحظوا معنا التسلسل المنشور في دراسة مؤسسة راند عام ٢٠٠١٩:
1 تسليح اوكرانيا
٢ تعزيز الدّعم لِلارهابيين في سوريا
٣ العمل على انقلابٍ الحكم في بيلاروسيا
٤ التّوتّرات في جنوب القوقاز
٥ تقليص نفوذ روسيا في آسيا الوُسطى
٦ مُنافسة النّفوذ الرّوسي في ترانسنيستريا
/للتعريف ترانسنيستريا (وهي دولة غير معترف بها منفصلة عن مولدافيا منذ انهيار الكتلة السوفيتية)/
وها هي الخطوات الخمس تمت محاولة تنفيذها فالبند الرابع ما هو إلا حرب اذربيجان وارمينيا والبند الخامس هو كازاخستان وننتظر بالتالي الخطوة السادسة : ترانسنيستريا
ان التصعيد المفتعل على حدود روسيا من جهة القوقاز واخرها اعمال العنف المدعومة من الخارج في كازخستان والتي رد عليها الروسي بالطريقة المناسبة تثبت ان استخباراته كانت على علم مسبق بالمخطط فسرعة الرد ونجاحه المدهش في زمن قصير اجهض الثورة الملونة في ذلك البلد وقبلها بشهور نجح الروسي في اجهاض الثورة الملونة في بيلاروسيا التي كانت محاولة انقلاب على الشرعية التي يمثلها الرئيس الفائز بالانتخابات الكسندر لوكاشينكو.
اما من جهة اوكرانيا فان التصعيد المفتعل بعد تسليح اوكرانيا بمعدات ثقيلة ثم توجيه الاتهام المتكرر الكاذب من قبل الناتو والادارة الامريكية ان الروس يستعدون لغزو اوكرانيا يزداد حدة (وها هو اخرها نشر في مقابلة بالفاينانشيال تايمز في لحظة اعداد هذه المقالة ، قالت فيها نولاند ان هناك ١٨ سيناريو معد للرد على الهجوم الروسي المتوقع بشدة على اوكرانيا وللتعريف : نولاند هي نائبة وزير الخارجية الامريكي علما ان الاخيرة من أركان الدولة العميقة في الولايات المتحدة )
وكانت سبقتها المتحدثة باسم البيت الابيض (ان امريكا حددت بدقة توقيت الغزو الروسي لاوكرانيا ) تقترن هذه التصريحات النارية بالرفض الامريكي الواضح لتنفيذ المطالب الروسية المحقة بوقف توسع الناتو شرقا كل ذلك من وجهة نظرنا ما هو إلا تاجيج للموقف غايته ان ينزلق الروسي نحو الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك وتدمير اوكرانيا ان شنت الحرب ردا على القرار الروسي المفترض وبالطبع هذا يكون هو الانزلاق الذي يريده الامريكي لبوتين.
تبذل روسيا قصارى جهدها لتفادي السيناريو الأوكراني ، ولن تقع في الفخ ..اذا كان لا بد للروسي من الرد فكيف يمكن للروسي ان يرد واين ؟؟ وهنا لنقتبس ما قاله المحلل السياسي الروسي الشهير الكسندر نازاروف في مقالته الاخيرة بعنوان: هل تدمّر روسيا القوات الأمريكية في سوريا؟:" دعونا نتذكر مشكلة الطاقة في أوروبا. الطاقة تقف في صف روسيا، ولا يوجد سبب يمنعها من استخدام هذه الورقة الرابحة مرتين"... وتابع نازاروف : "هناك بلد في الشرق الأوسط، يوجد على أراضيه الجيش الأمريكي بشكل غير قانوني، وستكون الضربة حينها أولاً، قانونية، وثانياً، ستؤدي حتماً إلى اضطرابات عالمية. وفي حال رد الأمريكيون باستخدام بنيتهم التحتية العسكرية الإقليمية، يمكن لروسيا أن تضرب القواعد الأمريكية في المنطقة. بل ومن الممكن أن تنحرف بضعة صواريخ أمريكية أو روسية عن مسارها خلال القتال، لتدمر عن طريق "الخطأ" أكبر المنشآت النفطية في المنطقة. في هذه الحالة، وبشكل عام، فمن غير المحتمل أن يتم توفير إمدادات النفط والغاز من هذه المنطقة لعدة أشهر على الأقل، وحينها سيحلم المشترون بالحصول على برميل نفط بسعر 1000 دولار أمريكي.أعتقد أنها قد تكون الصدمة الأخيرة للنظام المالي في الغرب. بالطبع، سيكون الأمر صعباً على العالم بأسره، لكن الاقتصاد الأمريكي سوف يدمّر مع أي تطوّر للأعمال العدائية." /الى هنا انتهى الاقتباس/
فاذا اضفنا تصريح لافروف اليوم:
"على الأكراد إطلاق حوار جاد مع دمشق وليس الأمريكيون من يحدد مصير سوريا " فهل الوصول الى طريق مسدود في المفاوضات الروسية الامريكية حول الطلب الروسي بمنع توسع الناتو شرقا سينتهي باختراق عسكري ايجابي على الجبهة السورية في مكان للروسي فيه تواجد عسكري قوي وهو موقع استراتيجي يهدد (لاقترابه من الخليج) بانهيار امدادات الطاقة لأوروبا في حال تطور نزاع عسكري محدود بين العملاقين هناك ؟!!
الكرة الان في ملعب / من يلعب بالنار/ الا وهي واشنطن